تطور السيارة عبر العقود
تصنع السيارة من مواد أولية موجودة في الطبيعة، يستلزم انتاجها وصقلها استهلاك كميات كبيرة من الطاقة. ويدرس صانعو السيارات كمية الطاقة اللازمة لانتاج السيارة وعلاقتها بنوع المواد المستخدمة في صنعها، وقد وجدوا أن المواد البلاستيكية هي الأخف وزناً والأقل استهلاكاً للطاقة عند الانتاج وبعده وحتى عند انتهاء صلاحية السيارة والرغبة في اعادة الاستخدام. ومن المواد الصديقة للبيئة التي عرفت طريقها الى السيارة الألياف الكربونية والبوليمرات التي يصنع منها الكثير من الأجزاء، مثل: عجلة القيادة، التابلوه، المقاعد، المرايا، غطاء المحرك وصندوق الامتعة، الصدّام، الطبقة العازلة في أرضية السيارة، النوابض، المروحة، الخراطيم والتوصيلات، وكلها يمكن اعادة تصنيعها رغم بعض الصعوبات الفنية. وتبقى المواد البلاستيكية المختلفة أكثر ملاءمة من الحديد والألومنيوم. فمثلاً، عند استبدال الحديد بالبلاستيك نحصل على نقص في وزن السيارة، مما يقلل استهلاك الوقود ويخفف انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون.
شهد شكل السيارة الخارجي العديد من التحولات. فمنذ العام 1910 وبدء خطوط انتاج السيارات في اوروبا وأميركا، تفنن المصممون حول العالم في اظهار جمال سياراتهم والاعتماد المطلق على الحديد والالومنيوم. في العشرينات كانت أشكال السيارات متشابهة الى حد كبير، فجميعها تقريباً تشبه “موديل تي” من فورد (Ford Model T) حتى ان هنري فورد الأب أطلق جملته الشهيرة: “جميع ألوان السيارات جميلة ما دامت سوداء”، حيث كانت جميع سياراته سوداء في البداية.
وظهرت في الثلاثينات سيارات فخمة تعد الآن تحفاً فنية، بالرغم من افتقارها الى اعتبارات البيئة والسلامة وعدم وجود وسائل للتحكم في الانبعاثات الغازية. مثال على ذلك Hispano Suizza.
وفي الأربعينات خرج المصممون عن خطوط فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، وظهرت سيارات ضخمة مكتنزة ذات مظهر مختلف وتصاميم غريبة لم يكن الجمال أبرز خصائصها. وجاءت حقبة الخمسينات التي تأثرت الى حد كبير بثورة الصواريخ وغزو الفضاء ليزداد حجم السيارة ولتظهر طرازات جديدة بالكامل يوحي مظهرها بالمركبات الفضائية، وهي مزينة بكميات وفيرة من الكروم والبهرجة المبالغ فيها أحياناً، خاصة مع الأجنحة الكبيرة الخلفية التي تشبه الزعانف أو الصواريخ في كثير من السيارات الأميركية. كما تميزت سيارات الخمسينات بالضخامة الشديدة التي وصلت الى حد البدانة والترهل أحياناً، مع تمتعها بأداء جيد نظراً لتزويدها بمحركات ضخمة ذات سعة ليترية عالية تتناسب مع وزنها.
في الستينات اختلفت الحال قليلاً، وتغير مظهر السيارة ليزداد حداثة وعرضاً وينخفض ارتفاعها قليلاً ويقل الكروم فيها الى حد ما. وازداد عدد السيارات الرياضية الكلاسيكية في تلك الفترة، وازدهرت المحركات الرياضية الكبيرة لتتجاوز في بعض الأحيان مؤشر الـ400 انش مكعب.
وفي بداية السبعينات وصلت السيارة الى الذروة من حيث الحجم واستهلاك الوقود… والتلوث بطبيعة الحال، لينتهي كل ذلك في العام 1973 بسببنا نحن العرب! كان الحظر النفطي العربي نقطة تحول جذري لجميع صانعي السيارات واتجاههم الى تغيير سياساتهم والبحث عن بديل اقتصادي مناسب للسيارات الثقيلة الوزن ذات الاستهلاك العالي للوقود. كما اكتشفوا الدور الذي تلعبه درجة الانسيابية، من خلال تجاربهم في ورش التصميم المزودة بما يسمى النفق الهوائي (wind tunnel). فوجدوا أنه كلما ازدادت انسيابية السيارة سهل مرورها عبر الهواء بأقل قدر ممكن من الاحتكاك والمقاومة، اضافة الى تخفيف العبء عن المحرك مما يرفع كفاءته ويخفض استهلاك الوقود، وبالتالي تقل تراكيز الانبعاثات الغازية الملوثة وما يترتب عليها.
هكذا، شهدت الثمانينات بداية توجه صانعي السيارات الى التصميم الانسيابي، حتى وصلت الحال الى ما هي عليه الآن، خاصة بعد ان حل التصميم بالكومبيوتر محل أنامل المصمم التقليدي. ويبدو أن العيب الوحيد للشكل الانسيابي هو صعوبة التفريق بين الطرازات المختلفة.
اما في القرن الحادي والعشرين فالأمر مختلف، اذ عادت التصاميم الفضائية الغريبة ممزوجة بحنين الى الماضي، لتطل علينا سيارات رائعة الشكل من الداخل والخارج، معظمها مستوحى من السيارات الكلاسيكية ولكن في قالب عصري.